رحلة النقيب البريطاني ( جي . جاي . إكليس ) إلى ولاية ينقل سنة 1925م

[الجاعدي]

لقد قام العديد من الرحالة البريطانيين برحالة استكشافية داخل الأراضي العمانية وذلك في القرنين التاسع عشر والعشرون الميلاديين ، ومن هؤلاء الرحالة النقيب البريطاني جي . جاي . إكليس ، الذي قام برحلته تلك سنة 1925م .

وقد أثمرت هذه الرحلة عن بعض الانطباعات والملاحظات الدقيقة والرائعة عن عمان ومناطقها وسكانها وعاداتهم وتقاليدهم ، كما دون أسماء الكثير من زعماء القبائل الذين عبر مناطقهم أو زارهم في حصونهم . وقد كان في معظم أجزاء الرحلة مرتديا زيا عربيا .

وهذه الرحلة تعطي وصفا دقيقا للحياة في عمان في النصف الأول من القرن العشرين ، وقد بدأ النقيب إكليس رحلته في شهر أكتوبر سنة 1925م ، حيث يقول واصفا الاستعدادات لذلك : ( وبحلول يوم 3 نوفمبر ، كانت كل معداتنا وأغراضنا قد جمعت في بيت الفلج حيث يوجد مركز القيادة التابع لي ، والذي يبعد عن مطرح بنحو ميلين إلى الداخل ) .

[الجاعدي]

ثم يقول : ( وفي اليوم التالي ( 4 نوفمبر ) بدأ تحركنا ، ومررنا بمنطقة بوشر ..) ، ثم أخذ في وصف المناطق التي زارها وصفا دقيقا ينم عن مقدرة فائقة على رصد الأحداث ، حيث انطلق من بوشر إلى السيب ومنها إلى الخابورة التي وصلها يوم 10 نوفمبر ، ثم انطلق إلى وادي الحواسنة وبلدة الغيزين ووادي بني عمر ، ثم أخذ يتجول في باقي المناطق التي زارها .

ونحن هنا سوف نتطرق لحديثه عن ينقل ومناطقها ، حيث زارها ووصف استقبال أهلها له ، كما وصف بصورة رائعة حصنها ، وأعجب بدورات المياه التي تم تصميهما على قنوات الأفلاج التي تمر بالحصن والتي ما زالت موجودة إلى الآن .

هذا وقد بدأت فكرة زيارة ينقل تراود ( إكليس ) بعد التقائه بالشيخ محمد بن هلال بن غصن العلوي ، الذي مدحه وأثنى عليه قائلا : ( وهو شيخ عربي من الطراز الممتاز ، وهادئ ، ومتواضع ، وغير مدع ، وبطبيعته شخص مبجل ، وصاحب مقام رفيع ) ، حيث أن الشيخ محمد بن هلال بن غصن العلوي وجه دعوة لإكليس لزيارة ينقل التي كان أميرها آنذاك أخوه الشيخ خليفة بن هلال بن غصن العلوي ، وقد رحب ( إكليس ) بهذه الدعوة أيما ترحيب .

[الجاعدي]

تابع

وهذا ما ذكره ( إكليس ) عن رحلته إلى ينقل حيث يقول : ( .. وبعد حلول الظلام وصلنا بلدة ومناطق بني علي الريفية ، كنا قد انضممنا بصحبة الشيخ محمد بن هلال (1 )شيخ قبيلة بني علي في التجوال في ريف الحواسنة ، وهو شيخ عربي من الطراز الممتاز ، وهادئ ، ومتواضع ، وغير مدع ، وبطبيعته شخص مبجل ، وصاحب مقام رفيع ، وجاء إلينا يدعونا إلى زيارة مدينة ينقل وهي عاصمة القبيلة ومقر أخيه خليفة (2 ) وهو الشيخ الأكبر مكانة .
وفي ذلك الوقت كان الشيخ عيسى بن صالح الحارثي (3 ) مستمرا في تقدمه من عمان ، ووصل إلى منطقة الدريز ، بالرغم من أن الشيخ عيسى كان ما زال مسيطرا على الوضع ، إلا أن انفلات الوضع وتدهوره بات وشيكا ، ولقد ظلت قبيلة بني علي دائما موالية لمسقط ، ولم تخضع إلى إغراءات الشيخ عيسى ، إلا أنه الآن وبعد سقوط المدينة تلو المدينة في الظاهرة أصبح وضع خليفة خطيرا وغير مستقر خاصة وأن هناك شخصين ( 4) من معسكر الشيخ عيسى منافسان في دعواهما لمنصب الشيخ .
كما إنه كان قد طلب المساعدة من مسقط مرتين لكن من دون جدوى ، وفي دعوته لنا كان يدفعه إلى ذلك أمران :
أولا : قد تقتنع مسقط بمده ببعض المساعدة إذا ما تدخلنا نحن في هذا الأمر ، أي بتأثير منا .
ثانيا : فإنه إذا ما أظهر عرضا كبيرا فإن تقارير مبالغا فيها ، وأكثر مما هي عليه حقيقة الوضع ، ربما تصل إلى الشيخ عيسى والذي ربما يعتقد بأن مسقط وحتى الحكومة البريطانية تقف وراءه وتمده بالمساعدة .
إلا أنه ومهما كان الدافع من وراء دعوته لنا إلى زيارة ينقل ، فإنها بالنسبة إلينا كانت فرصة ذهبية ، لذا فقد قررنا الاستعداد لزيارة ينقل في اليوم التالي ، وذلك عن طريق وادي عاهن .

************
1) هو الشيخ محمد بن هلال بن غصن بن سنان بن سليمان العلوي ، كان مناصرا لأخيه الشيخ خليفة بن هلال بن غصن العلوي .
2 ) هو الشيخ خليفة بن هلال بن غصن بن سنان بن سليمان العلوي ، تولى زعامة ينقل بعد وفاة ابن عمه الشيخ خلف بن سنان بن غصن بن سنان بن سليمان العلوي ، الذي توفي بعد صلاة المغرب يوم الخميس 17 شعبان عام 1343هـ الموافق 1925م ، واستمر حتى جمادى الآخر سنة 1346هـ الموافق 1927م .
3 ) هو الشيخ عيسى بن صالح بن علي بن ناصر بن عيسى بن صالح الحارثي ، ولد يوم 23 ذي القعدة سنة 1290هـ ، تولى زعامة قبيلته بعد وفاة والده الشيخ صالح بن علي الحارثي ، وذلك سنة 1314 هـ توفي ضحى اليوم السابع من شهر ربيع الآخر سنة 1365هـ
4 ) وهما الشيخ سليمان بن سنان بن غصن بن سنان بن سليمان العلوي ، والشيخ سيف بن عامر بن غصن بن سنان بن سليمان العلوي ، اللذان كانا ينازعان الشيخ خليفه بن هلال العلوي على زعامة القبيلة ، وقد نجحا في ذلك سنة 1346هـ الموافق 1927م ، أي بعد زيارة إكليس لينقل بعامين فقط .

[الجاعدي]

تابع

وبعد رحلة سريعة عبر السهل ، وصلنا مرة أخرى إلى سفوح الجبال ، حيث دخلنا الوادي (1) عند تقاطعه مع وادي حيبي ، والذي يدخل من ناحية الجنوب ، وهذا الوادي يضم قرية ( حيبي ) ، والتي جاء موقعها خطأ في خريطة هنثر .
وأثناء المسير ، ترجل ( ليز ) (2) ، وذهب لتسلق جبل ، ومباشرة باشر دليله في أخذ الجمال والسير بها ، ما اضطر عندها ( ليز ) للعوده وإيقافه .
ظهر حاطب أخشاب عجوز وبدأ في الحديث مع الدليل ، وقام ( ليز ) بمحاولة أخرى لتسلق الجبل (3) ، وحين ذلك جرى الحاطب (*) نحوه صارخا فيه ، وشاتما إياه بألفاظ بذيئة ، واستمر ( ليز ) في طريقه وبدأ يقذف الحجارة على الرجل ، و ( ليز ) بطوله الفارع وحجمه الضخم المهيب ومرتديا قبعه حقيقية ـ قبعة بنما ـ تحول نحو الرجل بثلاث خطوات ملوحا له بمطرقته الجيولوجية ، وكان ذلك كافيا لإسكات الرجل وفر الرجل جاريا متبوعا بسيل من الحجارة التي قذفه بها ( ليز ) .



***********
1) المقصود هنا وادي عاهن
2) أحد المرافقين للرحالة إكليس في رحلته هذه
3) الهدف من تسلق الجبال ، أخذ عينات من صخوره لدراستها لمعرفة مدى إمكانية وجود بعض المعادن فيه .
* يا ترى من هو هذا الحاطب العربي الشهم الذي لم يسمح لهؤلاء دخول منطقته

[الجاعدي]

تابع

وحينما اقتربنا من قرية ( الوقبة ) (1) ، كان قاع النهر (2) قد ضاق حتى وصلنا إلى جزء يوجد به نهر بأحواض عميقة ، ولكي نتجنب هذا الامتداد والذي ربما وبحلول فصل الأمطار سيصبح سلسلة من المياه الجارية المتدفقة ، قد تم بناء طريق على جانب الوادي بدرجات صنعت من الحجارة والإسمنت المحلي ـ المعروف باسم الصاروج ـ ، وهذه السلالم والدرجات مصدر فخر عظيم لرجال القبائل الذين وفي مرات عديدة حذروني منها ، والوادي يتسع عندما يقترب من قرية ( وقبة ) وهي قرية تتمتع ببساتين كثيفة ـ ولقد وضعت خطأ في مكان وادي ضنك في كتاب ( خريطة اليد للمنطقة العربية ) ـ وتدريجيا يتسع الوادي من على النهر في شكل منحدر مغطى تماما بالأشجار وحشائش الغابات .


***********
1) إحدى القرى المشهورة بولاية ينقل ، تربط بين ولايتي ينقل وصحار ، يسود فيها جو بارد بسبب إرتفاعها عن سطح الأرض ، تشتهر بزراعة شتى المحاصيل الزراعية ، ظهر فيها مجموعة من العلماء والشعراء .
2) أي وادي عاهن

[أرواح مهاجرة]

شكرا لك الجاعدي .. كالعادة مواضيع غنية وممتعة ..

سؤال أخي الكريم هنا ..

ولقد ظلت قبيلة بني علي دائما موالية لمسقط

ظننت أن بني علي كانوا موالين للإمامة وليس لسلطنة مسقط .. فهلا أوضحت لي الأمر ؟

[الجاعدي]

شكرا لك الجاعدي .. كالعادة مواضيع غنية وممتعة ..

سؤال أخي الكريم هنا ..



ظننت أن بني علي كانوا موالين للإمامة وليس لسلطنة مسقط .. فهلا أوضحت لي الأمر ؟


كلام الرحالة غير دقيق
فأغلب قبائل الظاهرة لا يوجد لديها ولاء مطلق
فأحيانا من السلطان وأحيانا أخرى مع الإمام

وقبيلة بني علي كانت أحيانا من هذا وأحيانا مع ذلك وأحيانا أخرى تتعامل مع الأثنين

فالشيخ هلال بن غصن كان بعيدا عن السلطان
وجاء من بعده الشيخ خلف بن سنان وكان من أكبر حلفاء السلطان وشارك معه في الكثير من الحروب
والشيخ سليمان بن سنان كان أقرب إلى الإمام وإن كانت له علاقات طيبة مع السلطان

[ماجد الاشخري]

تشكر الجاعدي ع الموضوع الرائع